فصل: مناسبة الآية لما قبلها:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



.من لطائف وفوائد المفسرين:

من لطائف القشيري في الآية:
قال عليه الرحمة:
{إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا وَيَصُدُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ وَالْمَسْجِدِ الْحَرَامِ}.
الصدُّ عن المسجد الحرام بإخافة السُّبُل، وبِغَصْبِ المال الذي لو بقي في يد صاحبه لوصل به إلى المسجد الحرام.
قوله: {سَواء العَاكِفُ فِيهِ وَالبْادِ} وإنما يعتبر فيه السبق والتقدم.
ومشهد الكِرَام يستوي فيه الإقدام، فَمَنْ وَصلَ إلى تلك العقوة فلا ترتيبَ ولا ردَّ، وبعد الوصول فلا زَجْرَ ولا صدَّ، أمَا في الطريق فربما يعتبر التقدم والتأخر؛ قال تعالى: {وَلَقَدْ عَلِمْنَا المُسْتَقْدِمِينَ مِنكُمْ وَلَقَدْ عَلِمْنَا المُسْتَئْخِرِينَ} ولَكِن في الوصول فلا تفاوتَ ولا تباين، ثم إذا اجتمعت النفوسُ فالموضع الواحد يجمعهم، ولَكِن لكلِّ حالٌ ينفرد بها. اهـ.

.تفسير الآيات (26- 29):

قوله تعالى: {وَإِذْ بَوَّأْنَا لِإبراهيم مَكَانَ الْبَيْتِ أَنْ لَا تُشْرِكْ بِي شَيْئًا وَطَهِّرْ بَيْتِيَ للطائفين والقائمين وَالرُّكَّعِ السُّجُودِ (26) وَأَذِّنْ فِي النَّاسِ بِالْحَجِّ يَأْتُوكَ رِجَالًا وَعَلَى كُلِّ ضَامِرٍ يَأْتِينَ مِنْ كُلِّ فَجٍّ عَمِيقٍ (27) لِيَشْهَدُوا مَنَافِعَ لَهُمْ وَيَذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ فِي أَيَّامٍ مَعْلُوماتٍ عَلَى مَا رَزَقَهُمْ مِنْ بَهِيمَةِ الْأَنْعَامِ فَكُلُوا مِنْهَا وَأَطْعِمُوا البائس الْفَقِيرَ (28) ثُمَّ لْيَقْضُوا تَفَثَهُمْ وَلْيُوفُوا نُذُورَهُمْ وَلْيَطَّوَّفُوا بِالْبَيْتِ الْعَتِيقِ (29)}.

.مناسبة الآية لما قبلها:

قال البقاعي:
ولما ذكر الفريقين وجزاء كل وختمه بذكر البيت، أتبعه التذكير به وبحجه، لما فيه من التذكير بالقيامة الحاملة على التقوى التي هي مقصد السورة، بما فيه من الوفادة على الله، مع التجرد من المحيط، والخضوع للرب، والاجتماع في المشاعر موقفًا في أثر موقف، ولما فيه من الحث على التسنن بأبيهم الأعظم إبراهيم عليه السلام فقال، مقرعًا وموبخًا لمن أشرك في نفعه أسست على التوحيد من أول يوم عطفًا على قوله أول السورة {اتقوا} {وإذ} أي واذكروا إذ {بوأنا} بما لنا من العظمة، ولما لم يجعله سبحانه سكنه بنفسه، قصر الفعل عن التعدية إلى مفعوله الأول فقال: {لإبراهيم} أي قدرنا له {مكان البيت} أي الكعبة وجعلناه له مباءة، أي منزلًا يبوء إليه أي يرجع، لأنه- لما نودعه فيه من اللطائف- أهل لأن يرجع إليه من فارقه ويحن إليه، ويشتاق من باعده وينقطع إليه بعض ذريته، من المباءة بمعنى المنزل، وبوأه إياه وبوأه له، أي أنزله، قال في ترتيب المحكم: وقيل: هيأته ومكنت له فيه.
ويدل على أن إبراهيم عليه السلام أول بان للبيت ما في الصحيح: «عن أبي ذر- رضي الله عنهم- قال: قلت: يا رسول الله! أي مسجد وضع أول؟ قال: المسجد الحرام، قلت: ثم أيّ؟ قال: بيت المقدس، قلت: كم بينهما؟ قال: أربعون سنة» ولما كان إبراهيم عليه الصلاة والسلام نبيًّا، كان من المعلوم أن نبوته له لأجل العبادة، فكان المعنى: قلنا له: أنزل أهلك هاهنا وتردد إلى هذا المكان للعبادة، فذلك فسره بقوله: {أن لا تشرك بي شيئًا} فابتدأ بأسّ العبادة ورأسها، وعطف على النهي قوله: {وطهر بيتي} عن كل ما لا يليق به من قذر حسي ومعنوي من شرك ووثن وطواف عريان به، كما كانت العرب تفعل {للطائفين} به.
ولما تقدم العكوف فاستغنى عن إعادته، قال: {والقائمين} أي حوله تعظيمًا لي كما يفعل حول عرشي، أو في الصلاة، ولأن العكوف بالقيام أقرب إلى مقصود السورة.
{والركع} ولما كان كل من الطواف والقيام عبادة برأسه، ولم يكن الركوع والسجود كذلك، عطف ذاك، واتبع هذا لما بينهما من كمال الاتصال، إذ لا ينفك أحدهما عن الآخر في الصلاة فقال: {السجود} أي المصلين صلاة أهل الإسلام الأكمل {وأذن في الناس} أي أعلمهم وناد فيهم {بالحج} وهو قصد البيت على سبيل التكرار لعبادة المخصوصة بالمشاعر المنصوصة {يأتوك} أي يأتوا بيتك الذي بنيته لذلك، مجيبين لصوتك بإذننا سامعين طائعين مخبتين خاشعين من أقطار الأرض كما يجيبون صوت الداعي من قبلنا إذا دعاهم بمثل ذلك بعذ الموت {رجالًا} أي مشاة على أرجلهم {وعلى كل ضامر} أي هزيل من طول السير من الإبل لبعد الشقة وعظم المشقة.
ولما كان الضامر يطلق على كل من الذكر والأنثى من الجمال، وكانت الأنثى أضعف النوعين، فكان الحكم عليها بالإتيان المذكور حكمًا على الذكر الذي هو أشد بطريق الأولى، أسند إلى ضميرها فقال معبرًا بما يدل على التجدد والاستمرار، واصفًا الضوامر التي أفهمتها كل {يأتين} أي الضوامر {من كل فج} أي طريق واسع بين جبلين {عميق} أي بعيد منخفض بالنسبة إلى علو جباله.
قال أبو حيان: أصله البعد سفلًا- انتهى.
حفاة عراة، ينتقلون من مشعر من مشاعر الحج إلى معشر، ومن مشهد إلى مشهد، مجموعين بالدعوة، خاشعين للهيبة، خائفين من السطوة، راجين للمغفرة، ثم يتفرقون إلى مواطنهم، ويتوجهون إلى مساكنهم، كالسائرين إلى مواقف الحشر، يوم البعث والنشر، المتفرقين إلى داري النعيم والجحيم، في أيها المصدقون بأن خليلنا إبراهيم عليه السلام نادى بالحج فأجابه بقدرتنا كرامة له من أراد الله حجة على بعد أقطارهم، وتنائي ديارهم، ممن كان موجودًا في ذلك الزمان، وممن كان في ظهور الآباء الأقربين أو الأبعدين! صدقوا أن الداعي من قبلنا بالنفخ في الصور يجيبه كل من كان على ظهرها ممن حفظنا له جسده، أو سلطنا عليه الأرض فمزقناه حتى صار ترابًا، وما بين ذلك، لأن الكل علينا يسير.
ولما كان الإنسان ميالًا إلى الفوائد، مستشرقًا إلى جميل العوائد، علل الإتيان بما يرغبه مبيحًا من فضله ما يقصده من أمر المعاش فقال: {ليشهدوا} أي يحضروا حضورًا تامًّا {منافع لهم} أي لا للمعبود، دينية ودنيوية، فإنه كما جعل سبحانه تلك المواطن ماحية للذنوب، جالبة للقلوب، جعلها جالبة للفوائد، جارية على أحسن العوائد، سالمة للفقر جابرة للكسر، ولما كانت المنافع لا تطيب وتثمر إلا بالتقوى كان الحامل على التقوى لذكر قال: {ويذكروا اسم الله} أي الجامع لجميع الكمالات بالتكبير وغيره عند الذبح وغيره، إعلامًا بأنه المقصود الذي يتبعه جميع المقاصد لأنه ما جمعهم على ما فيه من تلك الأرض الغراء والأماكن الغبراء إلا هو بقدرته الكاملة، وقوته الشاملة، لا اسم شيء من الأصنام كما كانت الجاهلية تفعل {في أيام معلومات} أي علم أنها أول عشر في ذي الحجة الذي يوافق اسمه مسماه، لا ما سموه به ومسماه غيره على ما حكم به النسيء، وفي هذا إشارة إلى أن المراد به الإكثار إذ مطلق الذكر مندوب إليه في كل وقت، وفي التعبير بالعلم إشارة إلى وجوب استفراغ الجهد بعد القطع بأن الشهر ذو الحجة اسمًا ومسمى في تحرير أوله، وأما أيام التشريق فإنها لما كانت مبنية على العلم بأمر الشهر الذي أمر به هنا، فأنتج العلم بيوم العيد، لم يحتج في أمرها إلى غير العد فلذا عبر عنها به دون العلم.
ولما كانت النعم أجل أموالهم، قال تعالى مرغبًا لهم ومرهبًا: {على} أي مبركين بذكره وحامدين على {ما رزقهم} ولو شاء محقه {من بهيمة} ولما كانت البهيمة مبهمة في كل ذات أربع في البر والبحر، بينها بقوله: {الأنعام} من الإبل والبقر والغنم بالتكبير عند رؤيته، ثم عند ذبحه، وفيه حث على التقرب بالضحايا، والهدايا، ولذلك التفت إلى الإقبال عليهم، وتركيب لهم يدور على الاستعجام والخفاء والانغلاق وعدم التمييز، وتركيب نعم على الرفاهية والخفض والدعة.
ولما ذكر سبحانه العبادة فخاطب بها إبراهيم عليه الصلاة والسلام، تنبيهًا على أنها لعظم المعبود لا يقوم بها على وجهها إلا الخلص، أقبل على العابدين كلهم بالإذن في ما يسرهم من منحة التمتيع، تنبيهًا على النعمة، حثًّا على الشكر، فقال مبينًا عما اندرج في ذلك من الذبح: {فكلوا منها} أي إن شئتم إذا تطوعتم بها ولا تمتنعوا كأهل الجاهلية، فالأكل من المتطوع به لا يخرجه عن كونه قربانًا في هذه الحنيفية السمحة منة على أهلها، تشريفًا لنبيها- صلى الله عليه وسلم-، والأكل من الواجب لا يجوز لمن وجب عليه، لأنه إذا أكل منه ولم يكن مخرجًا لما وجب عليه بكماله {وأطعموا البائس} أي الذي اشتدت حاجته، من بئس كسمع إذا ساءت حاله وافتقر، وبين أنه من ذلك، لا من بؤس- ككرم الذي معناه: اشتد في الحرب، بقوله: {الفقير} وأكد هذا الحث ونفى عنه الريب بعوده إلى الأسلوب الأول في قوله: {ثم ليقضوا} أي يقطعوا وينهوا يوم النحر بعد طول الإحرام {تفثهم} أي شعثهم بالغسل وقص الأظفار والشارب وحلق العانة ونحو ذلك {وليوفوا نذورهم} أخذًا من الفراغ من الأمر والخروج من كل واجب {وليطوفوا} فيكون ذلك آخر أعمالهم، وحث على الإكثار منه والاجتهاد فيه بصيغة التفعل، وعلى الإخلاص بالإخفاء بحسب الطاقة بالإدغام، واللام إن كسرت- كما هي قراءة أبي عمرو وابن عامر وورش عن نافع وقنبل عن ابن كثير ورويس عن يعقوب في {ليقضوا} وقراءة ابن ذكوان عن ابن عامر وحده في {ليوفوا}.. {وليطوفوا} يصح أن تكون للعلة عطفًا على {ليشهدوا} ويكون عطفها بأداة التراخي لطول المدة على ما هو مفهومها مع الإشارة إلى التعظيم في الرتبة، ويصح أن تكون للأمر كقراءة الباقين بالإسكان، وقوله: {بالبيت} أي من ورائه، لعلم الحجر، ومتى نقص عن إكمال الدوران حوله أدنى جزء لم يصح لأنه لم يوقع مسمى الطواف، فلا تعلق بالباء في التبعيض ووصفه بقوله: {العتيق} إشارة إلى استحقاقه للتعظيم بالقدم والعتق من كل سوء. اهـ.

.من أقوال المفسرين:

.قال الفخر:

{وَإِذْ بَوَّأْنَا لِإبراهيم مَكَانَ الْبَيْتِ أَنْ لَا تُشْرِكْ بِي شَيْئًا}.
اعلم أن قوله: {وَإِذْ بَوَّأْنَا} أي واذكر حين جعلنا لإبراهيم مكان البيت مباءة، أي مرجعًا يرجع إليه للعمارة والعبادة.
وكان قد رفع البيت إلى السماء أيام الطوفان وكان من ياقوتة حمراء، فأعلم الله تعالى إبراهيم عليه السلام مكانه بريح أرسلها فكشفت ما حوله فبناه على وضعه الأول، وقيل أمر إبراهيم بأن يأتي موضع البيت فيبنى، فانطلق فخفي عليه مكانه فبعث الله تعالى على قدر البيت الحرام في العرض والطول غمامة وفيها رأس يتكلم وله لسان وعينان فقال يا إبراهيم ابن علي قدري وحيالى فأخذ في البناء وذهبت السحابة.
وهاهنا سؤالات:
السؤال الأول: لا شك أن أن هي المفسرة فكيف يكون النهي عن الشرك والأمر بتطهير البيت تفسيرًا للتبوئة الجواب: أنه سبحانه لما قال جعلنا البيت مرجعًا لإبراهيم، فكأنه قيل ما معنى كون البيت مرجعًا له، فأجيب عنه بأن معناه أن يكون بقلبه موحدًا لرب البيت عن الشريك والنظير، وبقالبه مشتغلًا بتنظيف البيت عن الأوثان والأصنام.
السؤال الثاني: أن إبراهيم لما لم يشرك بالله فكيف قال أن لا تشرك بي الجواب: المعنى لا تجعل في العبادة لي شريكًا، ولا تشرك بي غرضًا آخر في بناء البيت.
السؤال الثالث: البيت ما كان معمورًا قبل ذلك فكيف قال وطهر بيتي الجواب: لعل ذلك المكان كان صحراء وكانوا يرمون إليها الأقذار، فأمر إبراهيم ببناء البيت في ذلك المكان وتطهيره من الأقذار، وكانت معمورة فكانوا قد وضعوا فيها أصنامًا فأمره الله تعالى بتخريب ذلك البناء ووضع بناء جديد وذلك هو التطهير عن الأوثان، أو يقال المراد أنك بعد أن تبنيه فطهره عما لا ينبغي من الشرك وقول الزور.
وأما قوله: {للطائفين والقائمين} فقال ابن عباس رضي الله عنهما للطائفين بالبيت من غير أهل مكة {والقائمين} أي المقيمين بها {والركع السجود} أي من المصلين من الكل، وقال آخرون القائمون وهم المصلون، لأن المصلي لابد وأن يكون في صلاته جامعًا بين القيام والركوع والسجود، والله أعلم.